من انت؟

كثيرا ما يطرح مثل هذا السؤال على شخص مجهول للتعرف عليه ولدفع شك مساور في شأنه وإذا ما طرح على شخص معروف كان لهذا الأخير أحد الموقفين فإما أن يتهم السائل بالاستخفاف وينصرف عنه ساخطا لسذاجة فيه أو لضعف في تفكيره واما ان يجيب عن سؤال وهو الواعي المتبصر فيقول له بلسان الموقف المقتنع انا من الذين ذكرهم الله في قوله هذا: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا.
وهل أرى هذا الجواب الصحيح الا حافزا لطلب المزيد من التوضيح حول هذه الآية الكريمة وكأني بسائله يرد عليه قائلا: بماذا فضل الله بني آدم فيجيبه على الفور بثلاثة أشياء هي الذهن واللسان والقلب.
نعم وإنها لأشياء بل نعم غالية لم يؤتى أي مخلوق غير بني ادم وبفضلها كان ولا يزال سيد الكون وكل ما فيه تحت تصرفه وطوع إرادته قد يقال حتى الحيوان لهما للإنسان مما يسمى ذهنا ولسانا وقلبا.
أجل ولكن لها خصائص لا وجود لها في أمثالها لدى الحيوان.
ففي ذهن الانسان دماغ في منتهى الدقة والانسجام يتكون من ثلاثة مناطق هي المقررة والحافظة والذاكرة أما المفكرة فمن وظائف التدرب فيها يزخرفه الكون من مرئيات ومسموعات ومحسوبيات وإبداء الآراء والأحكام حول ما وقع أو يقع في المستقبل القريب والبعيد والتمييز بين ما هو صالح وفاسد وبينما هو نافع وضار في مختلف شؤون الحياة.
واما الحافظة فمن وظائفها ان تعني ما تراه العين من الصورة الصغيرة والكبيرة وما تسمعه الأذن من التعابير القليلة والكثيرة بل هي أشبه بالشريط الذي تنطبع عليه كل الصور والأصوات على اختلاف اشكالها وايقاعاتها وهل هذا الأخير الا محاكاة نسبية للحافظة التي هي من صنع الله تعالى وهو القائل لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.
على ان المتأمل أمام هذه الظاهرة ليقف مندهشا عندما يستمع إلى الطالب وهو يتلو كتاب الله عن ظهر قلب او ينثر ما شاء له حفظه من لآلئ الشعر والحديث الشريف فضلا عن معلومات جمة في شتى العلوم أليس هذا بكاف لإيمان المرء بعظمة خالقه وقدرته الشاملة وتدبيره الحكيم؟
وأما الذاكرة فمن وظائفها ان تذكر وتبدي كل ما اختزن في الحافظة بكل ما فيه من تفاصيل وتشعبات وفي سرعة فائقة قد لا تتجاوز اللحظة الواحدة وان مر عليه عشرات السنين مالم يتعرض الدماغ لحادث او عائق يتعذر زواله والغريب أن الكثير من الناس يحتفظون بذاكرتهم وان بل غواص الكثير عتيا وأدركوا من الضعف غايته أليس هذا من أسرار الحكمة الإلهية التي تتحدى المستحيل وتدهش العاقل الأريب؟
الا ان ذلك الذهن العجيب الذي هو من اجل نعم الله جل وعلا قد يكون نقمة على المجتمع لسوء تصرف أصحابه وتمردهم على سنن الكون وأوضاعه الطبيعية وما هذا بإيعاز من الله العلي القدير إنما هو من خلل في نفوسهم الخائرة لان الله سبحانه قدر كلا من الخير والشر، الانسان بين ان يفعل هذا او ذاك ليكون هو وحده المسؤول عن نفسه قال تعالى: "إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون". ولا بدع فان صانعي الأسلحة الفتاكة وهو الخراب والدمار وحرق الشعوب الضعيفة من هذا القبيل وان غزرت معارفهم وراعت مبتكراتهم وجاءت المناسبة فهو إذن الترجمان الذي يكشف عن مكامن النفس واسرارها الخفية فقد يحرك الحيوان لسانه صائحا ولكن لمجرد الاشعار بما يحسه من جوع او عطش او الم او طول في القيد والحجز المضجري وهذا شيء يسير بالنسبة إلى وظائف اللسان المتعددة فبواسطته يحاور امثاله ويداركهم ويناقشهم فيما يعود عليهم جميعا بالخير والصلاح وبواسطته يذكر الله سبحانه ويتلو كتابه يستجلى معانيه ومعازيه البعيدة كما يتسنى له بفضله ان يلقى معارفه طلاب العلم والمعرفة وتدلي بآرائه الصائبة وإرشاداته القيمة الى الراغبين من بني مجتمعه ذكورا وإناثا واذا ما شبت نار الفتنة بين مواطنين كان للسان الفضل في إطفائها وهكذا دواليك .
وكيف بادلنا أحد بعبارات نابئة بذيئة فذلك من نقص في أخلاقه وفساد في مزاجه وعلى قدر جنايته يكون جزاؤه عاجلا ام اجلا يقول الرسول {ص} وهل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم.
أما القلق فانه مركز الإحساس والشعور والعواطف وإذا كان لقلب الحيوان شيء من ذهب الخصائص فإنما هو جزء من الكل الذي يتمتع به الإنسان هذا الكائن الموهوب ومن ذلك الإيمان المتغلغل في طواياه والذي تكتمل به انسانيته وتحق أهليته لنعيم الدنيا والآخرة ومن تلك الشيم والطباع التي تغمره وتعلو به الى أسمى المنازل إذا كانت حسنة ومرضية اما إذا كانت سيئة فعلية تبعه ما جناه ولن يلوم أحدا غير نفسه الخاطئة يقول الرسول {ص} الا ان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.
لسائل أن يقول ما بال هذا التباين الذي نجده بين البشر مع ان لكل واحد قلبا كقلوب الاخرين؟ ذاك أن حجم القلب ليس المقصود لذاته وإنما المقصود هو ما يمتاز به من صفاء وطهر هما من نتائج الهداية الرنانة ثم التربية القومية الموفقة وان قلبا كهذا لن تنجم عنه إلا الخلال الحميدة والسجايا الكريمة ثم ان التربية لا تعتمد على أسس قوية من العقل الراجح والدين الحق وخيمة العواقب شقية المصير وما عمى القلب إلا من جراء هذه التربية السقيمة المعوجة ففي هذا الصدد يقول الله تعالى مشيرا إلى أهل الضلالة انها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور كما ان للعلم اثره الحميد في نفس المرء اذا رافق حسنا لتربية وسلامة التكوين ولا فلن يكون اثره الا مذموما لا يقره عقل ولا يرتضي دين فمهما كثرت المعلومات او جادت فستبقى سلبي ما لم تساندها اخلاق نبيلة فاضلة وما العلم النافع والخلق الطيب الا كالروح والجسد لا تتم الحياة الا بهما معا .

méghazi yacine
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of ♛ انســــان ☟ღ✎ .

جديد قسم :

Enregistrer un commentaire