آثار المعاملة


لو خلق الله الانسان يعرف كل شيء ويستطيع ان يفعل كل شيء لما احتاج أحد الى أحد ولاصبح التعاون اسما بلا مسمى وعند ذلك يتعطل نظام الكون وتسوده الفوضى وبالتالي يتحول الى جحيم لايطاق ولكن حكمة الله ابت الا ان يخلق الانسان ضعيفا ، ومن مظاهر هذا الضعف القوة المحدودة والعقل المحدود فلا يعمل أكثر مما يقدر عليه ولا يسع عقله أكثر مما يمكنه أن يسع وما ذاك الا ليشعر بنقصه فيضطر إلى طلب المساعدة من غيره فالبناء مثلا يبني للاديب والطبيب والمهندس ما يحتاجون لسكنهم وقضاء مآربهم ولكنه في نفس الوقت يحتاج إليهم وإلى غيرهم فيما يلزمه من شؤون حياته المتعددة
وبمقتضى هذا التعاون تأتي المعاملة الأدبية التي بفضلها يحكم نظام المجتمع وتستقيم أحواله إذا كانت على وجهها المطلوب وان نحن نظرنا إلى المعاملة من خلال احتكاك الأفراد بعضهم ببعض يمكن ان نقسمها الى عدة اقسام منها معاملة الأبوين لابنهما والعكس ، ومعاملة الأستاذ لتلميذه والعكس ومعاملة الحاكم لمحكومه والعكس ومعاملة المستخدم لمستخدمه والعكس ومعاملة الزوج لزوجته والعكس ومعاملة المواطن للأجنبي ومعاملة الجار للجار والصديق للصديق الخ فالابوان مطالبان بتربية ولدهما وتعليمه وبالسهر على ما يوفر له الراحة ويجلب له السعادة على أن تكون تربيتهما له في إطارها الحقيقي بحيث لا تتسم بالقسوة المفرطة التي تغرس في نفسه الحقد والعناد فيفسدانه بدل ان يصلحاه والا باللين المفرط الذي يبعثه على الدعة والكسل والانحلال فلا يجنيان منه غير الخيبة والاسف المرير كما أن حرمانه من الراحة المفيدة والمتعة الجائزة وارهاقه بالأعمال المضنية أو مضايقته بالعتاب المكرر من شانها ان تخلق فيه الملل وكراهية العمل او تدفعه الى العصيان والجفاء وكذلك الأمر إذا أطلق له الحبل على العارب وتركت له حرية التصرف دونما رعاية او رقابة فماذا يصدر عنه بعد هذا اذا لم يكن ضياعا وضلالا وسوء عاقبة ؟ وهذه الظاهرة السيئة كثيرا ما نلاحظها في أولاد الأغنياء الذين تلهيهم أموالهم عن الاهتمام بأولادهم او يربونهم تربية بذخ وترف ، لا لأنهم يعطفون عليهم كابناء من دمهم ومهجتهم وإنما لاظهارهم في مظهر السيد المتفوق وتمييزهم عن الأبناء الآخرين وهم لا يعلمون انهم بذلك يعرضون مستقبلهم للخطر الوشيك .كان لغني ولد يتعلم في احدى ثانويات العاصمة حيث يلتقي برفاق من مختلف الطبقات ولم تكن الثانوية تبعد كثيرا عن بيته لكن اباه خصص له سيارة من اعلى الطراز حرصا على راحته ومسرته ولعله كان أيضا يقصد تشجيعه على العمل ليكون من الطلبة الممتازين ولمن كيف كانت سيرته في الثانوية ؟ لم تكن الا عبارة عن دخول وخروج لا يشملان سوى العبث وقلة الحياء أما العمل فقل العكس ولاحرج لقد ضل ابوه ينتظر بفارغ الصبر نتيجة الاختبار ولما أتت لم يجد الا النقطة الرديئة والملاحظة السيئة والتحذيرات الشديدة وبقي الابن على ماهو عليه ولم يلبث ابوه ان تلقى اخبارا بطرده نهائيا وهكذا عرف الاب خطاه في تربية ولده وندم ندما كبيرا .اما مايجب على الابن تجاه أبويه والامتثال الكلي لاوامرهما ، ان لم يكن في ذلك خروج عن الدين والعقل والتواضع لهما خصوصا اذا عبثت بهما الأيام واكلت الاحزان والالام جسميهما والرحمة بهما مهما كانا قاسيين عليه او يحملانه مالا يطيق وليس له في ذلك فضل لأنه في سبيل تربيته وتغذيته وتعليمه ،كلفهما ما ناء به كاهلهما وجرعهما ماجرع من العناء المر والعذاب المضني .


méghazi yacine
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of ♛ انســــان ☟ღ✎ .

جديد قسم :

Enregistrer un commentaire