الغنى ومقاصده 

تختلف أحوال الناس باختلاف عقولهم واخلاقهم والبيئة التي تحيط بهم فمنهم السعيد والشقي ومنهم الغني والفقير ومن هو وسط بين المنزلين ، ولقد جرت العادة انه اذا ذكرت السعادة ذكر معها الغنى بدون تحفظ او تردد ، ومفهومه عند العامة ليس كمفهومه عند ذوي الراي والمعرفة نقصد به ذلك المظهر المعروف الذي لا يحتاج الى بيان او دليل ومالها بغيره من علم او اقل تفكير ولعل ذلك راجع الى عدم الادراك وقلة الذوق ، ومنها يأتي ذلك التأويل الذي لا يعطي الكلمة معناها الكامل الصحيح وهذا المعنى لا يظهر الا بالرجوع الى اصل الكلمة وبالنظر الى مدلولها من جميع النواحي .
فكلمة غنى اذن مصدر غنى أي صار غير محتاج الى شيء وهو بهذا المفهوم عام وشامل وبما انه يستحيل على الانسان ان يكون غنيا عن غيره في كل شيء فلا بد ان يكون هذا الغنى موزعا على سائر الأشياء التي تنضوي تحته فهنالك غنى المال، وغنى النفس وغيرها.
فغنى المال الا يحتاج الرجل الى شيء يستطيع الحصول عليه بماله الخاص، كما المأكول والمشروب والكسوة والسكن، وهذا المال قد يقل ويكثر وعلى حسب قلته او كثرته تتفاوت درجة الأغنياء بحيث نجد اوفرهم ثروة يفضلهم في نوعية تلك المظاهر واتساع مجالاتها، الى ان يبلغ ما يمكن ان ندعوه البذخ او الترف وهنا يبرز التمييز بين غنى وغنى، اذ يصبح صاحب المال الكثير والضياع الفسيحة والاملاك العديدة والسيارات المتنوعة لا يقنع بلقبه الأول ولا يرخى ان يلقب بغير الثري والا غضب وثار وملا الدنيا سخطا وحنقا.
ولو تأملنا حالة هؤلاء الأثرياء الأغنياء هم على نوعين اثنين :احدهما مكتف بما لديه ولا يرجو أي مزيد عليه ،لأنه يدرك ان فيما يملك كفاية لإسعاده ولإمتاعه طوال حياته ولا عليه ان مات ولم يترك للورثة شيئا ،بل لا يرضيه ان يأخذوا ثروة رأى ما رأى من اجلها غنيمة نادرة ، والثاني متلهف يحب المزيد دائما لأنه لا ينظر الى من هم اقل منه وهم كثيرون جدا ولكنه ينظر الى الذين فاقوه ثراء ،وتجاوزوه مكاسب وارباحا ،فتراه يسعى ويجد ويسلك مختلف الطرق لجمع المال ، كيفما كان واينما وجد ولربما شح على نفسه او عياله بالضروريات ولا يهمه ان تستلف زوجته راس بصل او حبة طماطم من عند الجيران ما دام لا يدفع ثمنها ،فأي وصف يكون اليق بهذا الغني البشع انصفه بالغنى وهو على هذا الجشع والطمع المذل ؟ انا لا احسبه الا فقيرا، بل في احط منازل الفقر لأننا نلقى في الفقراء من لا يجشعون ولا يطمعون، ان مالا لا يريح صاحبه ولا يسعده عدمه خير من وجوده لاسيما إذا كان معه تجنى على الغير واعتداد على نفوسهم او حقوقهم.
ولا بدع فان ثروة غالب الأثرياء من أمثال هذا الرجل مكونة من عرق العمال ودمائهم وفيها من ثمار السلب والغش الشيء الكثير.
كان لغني مساعدون في متجره الكبير، وكان قد اتفق معهم على ساعات واجور معينة الا انه استكثر ذلك الاجر الهزيل وفكر في حيلة لتمديد مدة العمل فطلب من كل عامل ان يتطوع له بساعة إضافية في كل أسبوع على ان يزيده الاجر المتفق عليه، وكان الامر كما رغب ولكن ما هو الثمن الذي تفضل به على اعماله؟ عشرة دنانير فقط شهريا لكل واحد منهم وبهذه الطريقة استطاع ان يحصل على أربع ساعات عمل بثمن ساعة واحدة.

méghazi yacine
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of ♛ انســــان ☟ღ✎ .

جديد قسم :

Enregistrer un commentaire