انتقاء الأصدقاء
لو وجد الله شخصا ما في مكان لا أثر فيه لأحد سواه ، ثم وفر له كل ما
يحتاج إليه من متع الحياة المختلفة يتصرف فيه كيفما يشاء ولا منافس ولا منازع فهل
تراه يرضى بهذا النعيم وهو الوحيد الفريد ولا مؤانس يخفف عنه وطأة الوحشية ولا
معاشر يقاسمه مشاعره وآماله أو يواسيه ويسليه إذا ما حل به ما يكره ؟
لا شك أنه لايبدي اتجاهه لا لشيء إلا لأنه محروم فيه من متعة الانس
ونعمة الجماعة التي لا تحلو الحياة ولاتطيب بدونها ومن هنا ندرك أن حاجته الى
العشير اكثر منها واشد الى هذا النعيم الموحش الخالي فمن هو هذا العشير إذن ؟
فقد يكون زوجة او ولد او أي شخص اخر تانس اليه نفسه وتربطه به صداقة
حميمية قد تكون وليدة نشأته أو طارئة جاءت عن طريق اللقاء والاحتكاك ، وللجوار
والمدرسة ومكان العمل أثرها الفعال في وجود هذه الصداقة حسنة كانت أم سيئة ، وهل
يوفق المرء إلى اتخاذ الصديق المواتي الذي يكون عند حسن ظنه ويحقق له فيه كل رجاء
ام يجد العكس تماما وتبوء آماله بالخيبة والندم المرير ؟
واذا كانت كلمة الصداقة مشتقة من فعل صدق فغالبا ماتعود الى اللفظ
اكثر مما تعود الى المعنى وذلك حسب الأشخاص الذين يندرجون تحت هذا الوصف المحترم
فهناك الصديق الوفي الذي تجده في الشدة والرخاء يصافيك ويمحضك الود ولا يتنكرلك
مهما كانت الظروف والاحوال ، وهوالذي يهمه منك حسن حالك وراحة بالك وخلو ساحتك من أي
مكروه ، اذا ستعنته اعانك واذا استنجدته انجدك ولايبالي باي اذى يلحقه مادام فيه
سعادتك وهناءك وهو الذي يسرك في حضرتك بحديثه العذب ونصيحته الغالية ونظرته
المشفقة ويثني عليك في غيبتك ، ويدافع عنك ويقيك كيد الكائدين وهو الذي اذا حدثته
انصت واذا ارشدته امتثل واذا امرته اطاع واذا استرشدته نصحك ودلك على اسلم الطرق
واذا اودعته سرا كتمه وتجنب كل ما من شانه ان يجرحك او يؤذيك هذا هو الصديق الذي
يجب أن تاتمنه على نفسك وأهلك ومالك وتنيط به كل امل ولكن لهذا الصديق المثالي
وجود في هذا الزمن الوبئ ؟
وحتى اذا وجد فانه يندر ندرة الدر اوغيره من الجواهر النفسية ، واذا
حظى احد بصديق من هذا الصنف فليتمسك به كتمسك الظمآن الماء البارد في فصل الصيف
غير ان ذلك غير ممكن مالم يتخل المرء من صفات خمس هي : كثرة العتاب والاستبداد
بالرأي والاحراج بالمطالب الثقيلة وانكار الجميل ونقض العهد وبعد هذا فلايخشى على
الصداقة أي انقطاع او أي ضعف يعجل بفنائها .
Commentaires: 0
Enregistrer un commentaire