حقيقة الحرية 


إذا كان العلم والعمل من قواعد العمران الأساسية وبهما تستقيم وتصلح الحياة البشرية فلا ينبغي ان نجهل حاجتهما الماسة الى الحرية لئلا يكونا عرضة للعقم وعدم الإنتاج ، او مطية للفساد والتهور والاستهتار فما هي الحرية ادن ؟ وما هي أقسامها ؟ وما النتائج التي تترتب عليها ؟فالحرية بمفهومها البسيط هي الانطلاق وعدم التقيد ، وهذا هو المفهوم المشترك لا فرق فيه بين متعلم وغير متعلم ، او بين صغير وكبير أو بين جنس واخر حتى الحيوان يدرك بطبعه هذا المعنى المجرد  من الحرية ولعله اميل المخلوقات او احبها اليها ، وقد يشتد هذا الميل وتلك المحبة كلما اعتصم بالادغال والفلوات النائية لان الدواجن بحكم الالفة تتعود شيئا فشيئا على القيد حتى يصبح من لوازمها الضرورية وعندما ننظر الى الحرية فاحصين متأملين نلقاها تنقسم إلى أربعة أقسام :حرية النفس ، وحرية القول ، وحرية العمل ، وحرية التفكير .فحرية النفس ألا يكون المرء عبد غيره يتصرف فيه كما يشاء ويسخره لما يشاء كما كان الفعل في العصور الغابرة وحتى في عهدنا هذا فلقد كان الرومان وغيرهم من بني زمنهم يسبون الرجال والنساء ويتخذونهم عبيدا أذلاء يحرثون الأرض ويرعون الغنم ويديرون المطاحن يحملون احجار البناء وما الا ذلك من الأعمال الشاقة وإذا ما احتج احدهم او تمرد اوسعوه سوطا او رموا به إلى الأسود الجائعة تفترسه وتأكل لحمه ومن حسن حظه ان يعرض للبيع في سوق العبيد لعله سيكون من نصيب مالك جديد يرحمه ولا يعذبه ومن يدري أنه سيغدو ملكا لأحد اظلم واعتى.وكان عند العرب أيضا أناس يستعبدون ولكنه استعباد من نوع آخر ، لقد كان العربي لا يهين عبده ولا يحمله مالا يستطيع وكان يطعمه مما يطعم ويكسوه مما يكتسي ويدافع عنه إذا ظلم بيد أنه كان يكلفه باشغال لا يقوم بها هو وأولاده كالرعي والحلب مثلا ولا يشركه في أموره الخاصة .ربما زعم أحد ان بلالا ذاق مرارة العبودية وتعرض لابشع صورة من صور التنكيل والتعذيب أجل لقد عذب بلال حقا ، ولكن ذلك لايرجع الى كونه عبدا بل الى اعتناقه دين محمد صلى الله عليه وسلم الذين كان له سيده عدوا لدودا وإلا فلم لم يعذب قبل دخوله في الإسلام وإذا كان التعذيب من آثار العبودية فهل كان عمار بن ياسر وابواه عبيدا حتى يلاقوا نفس المصير ؟ ومهما يكن من أمر فإن العبودية دائما عبودية ومن أجل القضاء عليها جاء الإسلام الحنيف وفعلا حرر الإسلام كثيرا من أولئك الذين ظلوا يرزحون تحت أغلال الاستغلال والاضطهاد وجعل العتق كفارة لبعض الكبائر لا لأنه تخليص من الرق وكفى وإنما هو إشعار بقيمة الحرية وقيمة العبد كإنسان له كرامته وشرفه كغيره من سكان الكون .ولئن كانت العبودية من صفات الماضي البعيد فهاهي ذي تضحى سنة متبعة في العصر الحاضر وعليها كل سمات القبح والفضح ومالا يقبله بحال عقل العاقل مهما كانت الظروف والأحوال ومن العجب الكبير ان تاخذ لها مقرا بلادا تعد اليوم من أرقى البلاد المتحضرة، فماذا يقول من جعلوا العبودية من دواعي الجهل والبداوة حين يشاهدون أهل العلم والمدينة يستعبدون غيرهم وهم جميعا من وطن واحد كان لهم الفضل الأول في عمرانه ؟ فاين هي الحرية التي يتغنون بها صبح مساء ؟ ولعلها تقتصر عليهم وحدهم وما عداهم فليس لهم فيها أي حق ، اللهم إلا إذا غيروا لونهم وشكلهم وطرق حياتهم ثم ما نقول في اضطهاد شعب كامل وارغامه على الولاء والتبعية إذا لم نقل عبودية محضة لا جدال فيها .    

méghazi yacine
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of ♛ انســــان ☟ღ✎ .

جديد قسم :

Enregistrer un commentaire