✌اليوم الخالد 


لقد حل فاتح نوفمبر، وها نحن نحتفل بذكراه كعادتنا في كل سنة فما هو فاتح نوفمبر؟
انه يوم كسائر الأيام في شكله الزمني المعتاد، ولكنه يمتاز عليها شأنا ومكانة واعتبارا انه يوم خالد يعجز القلم واللسان عن إحصاء مناقبه ومزاياه، انه رمز الآباء والأنفة والتضحية والفداء، انه شعاع الأمل الذي ظل يداعب أجيالا عاشت طويلا في جحيم الظلم والاضطهاد، إنه بحق مبعث العز والكرامة والمجد الذي هو هدف كل أبي يكره حياة الذل والهوان
اليس هذا اليوم العظيم أحرى بكل اكبار واجلال؟ أليس أجدر بأن يكتب اسمه على جبين الدهر بأحرف من نور؟ اليس من حقه ان يتربع على عرش القلوب محاطا بكل ما يستحقه من حفاوة واكرام
وابطاله الميامين، امواتا كانوا أم أحياء، اما يكون من واجبنا ان نحبهم ونقدرهم ونجعل على رؤوسهم أكاليل الشرف والفخار؟ اما ينبغي ان نباهي بهم، ونسير على منوالهم تفانيا واستماتة، ذودا عن وطننا المفدى؟
وإذا كنا اليوم نستمتع بالعيش الكريم ونتفيأ ظلال الحرية الكاملة فلا يجوز لنا ان ننسى أو نتناسى تلك الجهود الجهيدة التي بذلت، وتلك الدماء الزكية التي أريقت، والدموع الساخنة التي ذرفت في سبيل هذا الوطن الغالي الذي اريد له ان يبقى الى الابد في أتون الاستبداد والاستعباد الذي دونه الموت الزؤام
لقد كانت الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي نعيما ممتعا ابي الله تعالى الا ان يمن به على أبنائها المسالمين، إلى جانب ما كانت تستأثر به من أمن واستقرار تكتنفها الاخوة التامة والتضامن المتميز الذي يرجع فضله الى الإسلام دين الله الحنيف، من ذا الذي يجهل او يتجاهل ما كانت تزخر به من خيارات ظاهرة وباطنة؟
وبطبيعة الحال، لم تبقى هذه الظاهرة القيمة دون ان تسترعي انتباه ذوي الطمع الجشعين، وشاءت الأقدار أن تكون فرنسا الباغية أكثر اهتماما بها وأشد حرصا على استغلالها عاجلا ام اجلا خصوصا بعد ان عاينتها من خلال القموح الوفيرة التي كانت تستوردها من الجزائر مع جيرانها من البلاد المتاخمة التي يعتبرونها مخزن او ربا؟
والذي أجج في فرنسا اللئيمة نار الحرص والجشع، هو ذلك الحقد الدفين الذي تضمره للعرب خاصة وللمسلمين عامة بدافع تعصب صليبي اعمى استولى عليها منذ البعثة المحمدية الى عهد صلاح الدين الايوبي
وكان لا بد لها أن تبحث عن وسيلة تتذرع بها لغزو الجزائر، فلم تجد امامها الا حادث المروحة والداي، بدعوى ان هذا الأخير قد أهانها في شخص سفيرها هناك وفعلا نفذت ما باتت تخطط له مذ تحركت فيها روح البغي والانتقام، والذي ساعدها على بلوغ غايتها، هو غفلة الداي، وعدم أخذ الحيطة اللازمة، وثبتت فرنسا أقدمها على هذه الأرض الطاهرة، امرة ناهية، فاعلة كل ما يعن لها من ضغط وترهيب تعتقد انها بهما تتمكن من إجهاض أي تمرد محتمل ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
فما كادت تمضي سنتان، حتى احست بهزة عنيفة تهدد كيانها وما كانت لتصدق بها لولا أنها كانت واقعا ملموسا، انها ثورة الأمير عبد القادر بن محيي الدين، ذلك الأديب الشجاع الذي بويع قائدا عاما على رأس جيش مؤمن لا ترهبه السيوف ولا المدافع
ودامت الحرب سبع عشرة سنة كلها انتصارات، ولولا قطع الإمداد، وإحراق الغلال، وخيانة الانذال، ما كان الحظ حليف العدو ومكان الأمير ليقع في قبضته
بيد أن ثورات أخرى حدثت في فترات مختلفة لتقيم الدليل على أن هذا الشعب شعب انوف لا يرضى بكرامته وحريته بديلا، ألا نتذكر من خلاله أبا الطيب المتنبي الذي يقول: عش عزيزا أو مت وأنت كريم، بين طعن القنا وخفق البنود
وإذا ما توثقت هذه الثورات بسبب أو بآخر، فلم يكن توقفها الا هدنة مؤقتة ريثما تتهيأ الأسباب لظهور ثورة أعنف وأشد، إنها ثورة فاتح نوفمبر التي كانت خاتمة الثورات، وكأني بأرواح الابطال الاولين ترفرف فوق رؤوسنا فرحة مغتبطة بذلك اليوم الرهيب، ولو كشف عنها الغطاء، لسمعناها تهتف قائلة: مرحى أيها الأحفاد البررة هذا هو يومكم الذي تحققون فيه كل الرجاء
وظن العدو وهو المتجبر العاتي، ان ثورة الفاتح كمثيلاتها، لا بد ان يخمد أوارها، ويرتد المتمردون طائعين مستسلمين، إلا أنها رغم الجنود الكثيرة والأسلحة الفتاكة استطاعت ان تستمر أكثر من سبع سنوات، باء العدو بعدها بهزيمة لم يعرف له قبلها مثيلا وارغ على التقهقر والرضى بالأمر الواقع
وهكذا، وبفضل الله العلي القدير، وشهامة المخلصين وتضحياتهم بالنفس والنفيس، جاء النصر المبين وعادت البلاد الى أبنائها الأصليين، وارتحل العدو وهو يجر اذيال الخزي والعار، لكن لا يزال يحمل نفس النية التي كان يحملها قبل الغزو ولئن كان يعترف بفشله في إحراز النصر، فلا يفتأ يحلم بانتصار قد يكون أخطر على العباد والبلاد انه ذلك الذي يحصل عن طريق ثقافته الملغمة وأساليبه التمويهية التي لا يتفطن لها إلا العاقل النبيه
وأخشى ما أخشاه ان يجد له آذانا صاغية وقلوبا واعية فتنقلب الأوضاع رأسا على عقب
  

méghazi yacine
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of ♛ انســــان ☟ღ✎ .

جديد قسم :

Enregistrer un commentaire