علو الهمة 


ربما التبس الأمر على بعض الناس ، فلم يفرقوا بين علو الهمة والكبر وبين التواضع والاتضاع فراحوا يخلطون في الحكم خلطا ويتأولون تأولات هي بعيدة كل البعد عن الحقيقة ، مع أن وجه الخلاف بين هذا وذاك جلى لا غبار عليه ، فالكبر او التكبر في معناه الخلقي هو الترفع عن الغير وهذا الترفع ليس بالشيء الذي يأتي من غير داع يدعوا إليه وإنما هو ناجم عن الشعور بالتفوق في امتيازات مختلفة هي : الثراء والصحة والعلم والنسب والجاه ، فصاحب المال مثلا عندما يقارن نفسه مع رجل فقير يرى انه احسن منه فيتعالى عليه احتقارا واستصغارا ولا يخفى ما في هذا الموقف المزري من إذلال لذلك الفقير وطعن في كرامته كانسان هو جدير بالتقدير كغيره من بني البشر ، على ان الذي ملأ الله قلبه إيمانا لا يجد الكبر اليه سبيلا ولو ملك خزائن الأرض كلها .
وكان أول من اتصف بهذه الشيمة النكراء إبليس ذلك المتمرد اللعين ، فحينما أمره الله بالسجود لآدم عليه السلام امتنع بحجة انه افضل منه ، لانه خلق من النار التي هي أشرف عنده من الخما المسنون لذلك استوجب لعنة الله وبعده من رحمته وفي بني الإنسان كثير من أمثال إبليس في اغترارهم بنفوسهم وتمييزها دون سواها بالمكانة العليا والمقام الرفيع ، ان هذه النعم التي اختص الله بها الانسان انما هي امتحان واختبار من جهة وتمكين لمن أوتيها من اسداد النفع والمساعدة إلى من حرم منها ،فإذا هو امتثل وقام بواجبه كاملا غير منقوص كان أحق بالثواب العظيم عند الله والشكر الجزيل عند الناس جميعا وإذا أخل بهذا الواجب الكبير كانت تلك النعم وبالا عليه ونكالا واي نكال .
مر أحد الأثرياء في يوم عيد بجماعة فقام بعضهم مهرولين نحوه لتهنئته بينما البعض الآخر بقوا في مجلسهم لانهم راوا انه ليس من اللزوم ان تذهب الجماعة الى الفرد ان لم يكن ذا علم وتقوى ، الأمر الذي ملأ صدره غيظا وأقسم أن ينتقم من المجموعة ولو بعد حين وكيف لا وهو السيد المطاع الذي لا يجرؤ على مشاكسته احد ؟ لكن رجلا عاقلا من أقاربه ذكره بالحالة السيئة التي كان عليها قبل الثراء ثم قال له : من المفروض أن تشكر الله تعالى على نعمتك هذه ولا تتكبر على عباده فلم تزد هذه العبارة الا عتوا ونفورا ، وهنا تلا عليه قوله عز وجل :{ولاتصاعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ان الله لايحب كل مختال فخور } ولقد صدق الشاعر حيث قال :
    لقد أسمعت ولو ناديت حيا        ولكن لا حياة لمن تنادي
ولئن كان للكبر نقيض ، فهو التواضع لا الاتضاع الذي يتبادر الى بعض الأذهان الضعيفة وان كانت بينهما علاقة فإنما هي علاقة اللفظ لاغير .ومع قليل من التأمل ندرك ان التواضع صادر عادة من تفوق ومقدرة من شأنها أن يحولا دون التنازل لمن هو أدنى واضعف.



méghazi yacine
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of ♛ انســــان ☟ღ✎ .

جديد قسم :

Enregistrer un commentaire