✋الضمير الانساني 


كلمة الضمير عبارة تكاد تكون غريبة ، وكثيرا ما نجدها في الكتب والجرائد ،ولا نعثر عليها في عالم العقلاء إلا قليلا ، وإن عثرنا عليها فهل هي إلا لفظة تلاك وتردد باستمرار وليس لها من معنى والذي يدعو الى الدهشة والاستغراب ، هو ان الذين يبججون بكلمة ضمير ويتغنون بها صبح مساء هم أجهل الناس بمدلولها أو هم يعرفونها ولكن معرفة سطحية او خاطئة لا تمت الى الحقيقة بصلة لأنهم ادركوها بعقول مظلمة لم تستنر بعد بأنوار العرفان والعلم الصحيح ، إلا أن هذا لا يعني ان كل الناس على هذا الشكل المخجل بل هناك من توصلوا بأفكارهم السليمة واجتهادهم الدائب الى تحديد معنى الضمير فقالوا : إنه ذلك الصوت الخفي الذي يصرخ بالإنسان إذا هم بعمل سيء او ناقص ، او فيه إضرار بالغير ، أو هو ذلك الوازع النفساني الذي يحبذ للإنسان فعل الخير والقيام بالواجب تجاه الآخرين ولو كانوا من غير جنسه ان لم يانس منهم ظلما او عدوانا ، كما يكره له فعل الشر كيفما كان نوعه ولوكان في الشر امنه ونجاته او فيه صلاحه ونجاحه .
لقد علمنا معنى الضمير، بقي لنا الآن ان نعرف الأسباب التي كان لها الفضل الأول في حدوثه فهل له حقا أسباب؟ ام تراه اتيا من تلقاء نفسه دونما علة او وساطة؟ كلا ان للضمير أسباب ترجع الى أمور عديدة، هي العقيدة والمحافظة على الشرف والحرص على المصلحة والخوف من العقاب وحب المحمدة والنفاق وغيرها.
فإذا ذكرنا العقيدة فإنما نقصد بها ذلك الإيمان القوي الذي يغمر قلب الإنسان المتدين والذي يجعل منه شخصا كاملا يعرف ماله وما عليه ولا يسعى مطلقا الى ما يجر له الندم ،او يكون به مظنة للريب ، او عرضة للعتاب والعقاب ، فإذا اعهدت اليه سرا او مالا رعاه وصانه وليس في قلبه نيه للغدر والخيانة ،وإن انت كلفته بعمل قام به بكل عزم وإخلاص ولم تسول له نفسه قط ان يتهاون او يقصر فيما هو مكلف به ، وان خلا المكان من الرقباء والحراس وان كنت له جارا حفظ حقوق الجوار وعف عن كل ما من شأنه أن يمس كرامتك من قريب او بعيد وان استنصحته نصحك واخلص لك النصح وما رام من وراء ذلك جزاء ولا شكورا .
تلك هي حالة كل ذي ضمير ينشأ عن العقيدة الدينية بيد أن هذه الحالة قد تكون أظهر وادعى الى التقدير والاجلال، إذا كانت مظاهرها نتيجة الإيمان المجرد الذي لا يدفع ايه طمع في جنة او خوف من نار إذ كلما خلص إيمان المرئ خلصت أعماله وكلما رافق الصدق عقيدته رافقت النزاهة تصرفاته مع الناس ومع أهله على حد سواء.
ومما يذكر أن فتى كان يعمل كاتبا عند تاجر كبير، لا يتجاوز ألفا وخمسمائة دينار ولا يكاد يفي بمصاريف أسرته الكبيرة وذات يوم خرج التاجر لشغل له ونسي مفاتيح خزانته على المكتب فأخذها الكاتب واحتفظ بها إلى أن عاد التاجر وكم كانت دهشة هذا الأخير عندما فتح الخزانة ووجد المال كاملا غير منقوص، وما كان منه الا ان شكر الكاتب وقدم له مكافأة من أجل نزاهته كنه رفض المكافأة لئلا يكون قد أخذ أجرا على امانته فازدادت بذلك ثقة التاجر به وأحبه أكثر من ذي قبل وأصبح يعطيه ضعفي مرتبه في كل شهر.
ومما يذكر أيضا أن مدير مصلحة، تقدم اليه رجل لقضية تخصه وناوله حصة من المال كما اعتاد أصحاب القضايا أن يفعلوا مع فاقدي الضمير من المسؤولين، فما كاد الرجل يمد إليه الحصة حتى ثار في وجهه قائلا: ويلك يا هذا اتظنني عديم المروءة والنزاهة حتى تعطيني ما ليس لي فيه حق؟ كأني بك تحاول ان تشتري ضميري بمالك هذا، الم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: لعن الله الراشي والمرتشي؟ فطأطأ الرجل رأسه خجلا وطلب العفو وانصرف وهو يدعو الله أن يكثر من أمثال هذا المدير النزيه.
ولو سألنا ذلك الكاتب الأمين وهذا المدير النزيه المثالي عن سبب ذلك الموقف الشرف لقالوا إنما هو امتثال لقول الله تعالى: " إن الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى أهلها " وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " اد الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك "
صحيح أنه من امتثال صريح لأمر الله والرسول بأداء الأمانة: الأمانة صفة تجعل الناس في أمن وسلام من المتصف بها، فلا يخشون من خديعة ولا يعتريهم فيه شك او سوء ظن، لأنه لم يضع ثقتهم به ،ولم يرم بها ظهريا جريا وراء مصلحته الشخصية ولأنه تعلم فيما تعلم ان الرجل لا يكون رجلا بحق إلا إذا آثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، وبذل من نفسه ووقته وماله ما يكفل لمواطنيه الحياة السعيدة الهنيئة .
نعم ،ذلك هو الرجل الأمين وما الأمانة إلا من مظاهر الضمير الذي لا يحمله سوى من زكت نفسه وسلمت من أدران الانانية والطمع وكراهية الآخرين وما لقب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمين والمأمون إلا لأنه المنبع الرقراق الذي يرتوي منه الأمناء وأصحاب الضمائر الطيبة على ان الضمير يكون على قدر الايمان فمنه يستمد قوته اذا كان قويا ، أو ضعفه اذا كان ضعيفا ومن شاء ان يعرف اكثر عن هذه الشيمة المحمودة فيقرا سيرة الصحابة رضي الله عنهم وسيرة اتباعهم ومقتضى آثارهم ماضيا وحاضرا ،وارجوا ان لا يكون من ضحايا التضليل والتشبيك ، لينتفع وينفع غيره ممن حرموا نعمة القراءة والفهم السليم .



méghazi yacine
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of ♛ انســــان ☟ღ✎ .

جديد قسم :

Enregistrer un commentaire